الجمعة، 24 نوفمبر 2017

تجليات اللاتسامح في تاريخ المسلمين وأسبابه
أسعير البشير – كلية الآداب سايس - فاس

أ‌-    تجليات اللاتسامح في تاريخ المسلمين:
إن ظاهرة اللاتسامح الديني التي يسلكها بعض المنتسبين إلى دين الإسلام، ليست من طبيعة هذا الدين، وإنما هي دخيلة على تاريخه وثقافته السمحة، وما وقع من تجاوزات في تاريخ المسلمين (1) ينبغي أن نعتبره من الحوادث الشاذة، ولا نعطيها مساحة أكبر في مخيلتنا، على اعتبار أن الأصل في تاريخ الإسلام ككل هو التسامح مع الغير، والمحبة والعدل، وكل قيم الخير التي هي أساس بنيانه القويم.
وكل أشكال التطرف والتعصب الديني التي ظهرت في تاريخ الأمة الإسلامية هي حالات ظرفية، نمت وترعرعت في أماكن يسودها الجهل، ويطغى عليها التجاذب الطائفي، والتقسيم العرقي، فكل طائفة تدَّعي امتلاك الحق، وترى في  الأخرى أنها على باطل، وبدل أن يكون الحوار هو الفيصل، كان الطريق السهل هو اللجوء إلى التكفير والعنف، والعنف المضاد.
إن الحقيقة هي أن الأصولية الإسلامية التي تمثل آخر محطة لنا في رحلتنا في دروب اللاتسامح الديني، قد خدعت الجميع، فقد أصبحت أهم حدث في القرن الواحد والعشرين، وربما أشهر من ميلاد الصين، ومن ميلاد كيان الاتحاد الأوروبي ومن العولمة الاقتصادية.(2)
 يمكن أن نأخذ على سبيل المثال تنظيمي القاعدة وداعش اللذين ينطلقان من خلفية دينية متشددة، حيث يختزلان الإسلام في المشروع الجهادي العالمي الذي يتضمن قتال الكفار، وملاحقة من يواليهم في الشرق والغرب، ولعل اتكاء هذين التنظيمين على ركيزة الدين، أعطاهما شرعية في نظر فئة عريضة من المتدينين الشباب في العالم العربي والإسلامي، وقد نجح  زعماء التنظيمين في تصوير الغرب لأتباعهم على أنه رمز لكل الشرور، خصوصا بعد انهيار الشيوعية، وتمكنوا من استقطاب عدد كبير من الشباب لصفوفهم من أجل تسخيرهم في المشروع الجهادي –حسب تعبيرهم-  وذلك من أجل التصدي للتحالف الصليبي الزاحف نحو أراضي المسلمين، واستهداف من يدعمه ويواليه من الأنظمة العربية والإسلامية.
إزاء هذا الفهم الضيق للإسلام الذي يتمسك به ثلة من المحسوبين على هذا الدين، وأمام الخلط البشع الذي ينهجه غير المسلمين بين كثير من المفاهيم الدينية والسياسية، علينا أن نكشف الحقيقة التي يحاولون طمسها، وهي الفرق الشاسع بين مفهومي المقاومة أو الجهاد لرد العدوان، وبين الإرهاب غير المشروع، فما يمارسه بعض المتدينين من سفك للدماء باسم الدين، هو أمر لا يقبله عقل ولا شرع، ولا يدخل في مسمى الجهاد المشروع، ولذلك فإننا نجد خصوم الإسلام يسعون إلى استغلال كل سلوك سيء من بعض الجماعات المسلحة للتشكيك في سماحة الإسلام، وهم يعملون على تغيير المفاهيم لصالحهم، كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم "الإرهاب"، لأن التصدي للعدوان الخارجي أمر مشروع وواجب في العقيدة الإسلامية، بينما الإرهاب بما يحمله من عنف وكراهية وقتل للأبرياء أمر مرفوض عقلا وشرعا.
إن ارتكاب بعض المتنطعين جرائم قتل وإرهاب باسم الإسلام، يعد في حد ذاته جريمة أكبر، وتحميلا للدين ما لا يتحمل، فرسالة الإسلام هي رحمة للعالمين، ولم تنزل وبالا على الكافرين، وقد ورد النهي القاطع في نصوص الشريعة الإسلامية عن قتل النفس إلا بالحق، ولكن بسبب سوء الفهم، وإتباع الهوى، وقع الجاهلون بتعاليم الإسلام السمحة في الأخطاء، وتمادوا في ضلالهم، وحادوا عن المنهج الرباني الرحيم.
ب‌-          أسبابـــــــــــــــــــــه:
يمكن عرض بعض الأسباب التي أدت ببعض المنتسبين للإسلام إلى السقوط في مصيدة التعصب واللاتسامح ضد الآخر في ما يلي:
-الجهل بحقيقة الإسلام، والتركيز على المتشابهات في النصوص، وسوء فهم مقاصد الشريعة.
- عدم الإلمام الكافي بعقيدة الآخر، وثقافته، ونمط تفكيره.
-مواجهة الآخر بنفس السلوك، وعدم التحلي بأخلاق الإسلام الداعية إلى الصبر  وتحمل الأذى، والحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.
-الخلط بين المفاهيم، وعدم وضوح الرؤية.
- التمسك بحرفية النصوص الشرعية، وعدم إعمال مقاصد الشريعة في تنزيلها.
-توظيف الدين لأغراض سياسية، ومصالح دنيئة.
الهوامش:
(1)        لا بد من التفريق بين تاريخ الإسلام وتاريخ المسلمين، فالإسلام هو عبارة عن نصوص مقدسة مصدرها هو الوحي الإلهي، أما المسلمين فإنهم بشر مثل سائر البشر يخطئون ويصيبون، ولا ينبغي تحميل أخطاء البشر للنص المقدس، لأن ذلك لا يستقيم، فالمشكلة ليست في الدين بل في ممارسات المنتسبين إليه.
(2)      مايكل انجلو ياكوبوتشي، أعداء الحوار: أسباب اللاتسامح ومظاهره، تقديم: امبرتو ايكو، ترجمة: عبد الفتاح حسن، سلسلة الفكر، مكتبة الأسرة، ص:329

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق