التنبيه على مخاطر التشبه بالنصارى في الاحتفال برأس
السنة الميلادية
ما إن يقترب شهر ديسمبر من نهايته حتى تبدأ الاستعدادات في شتى البلاد الأوروبية والغربية التي يدين أهلها
بالنصرانية، من أجل الاحتفال بما يسمى عندهم بأعياد الميلاد، أو كما يحلو لهم
تسميتها "بالكريسماسChristmas أي قداس عيد ميلاد المسيح عيسى
عليه السلام حسب ما يعتقدون، وقد جرت العادة عندهم أن توقد الشموع في الكنائس، وأن يحج الناس إليها للاحتفال بالقداس بتلاوة الترانيم
المسيحية، وترديد الصلوات، والقيام بطقوس مختلفة وفقا لمعتقداتهم في السيد المسيح
عليه السلام.
ولعل اللافت للنظر هو ذلك الاختلاف البيِّن
بين الطوائف المسيحية الشرقية منها والغربية حول تقدير تاريخ ولادة المسيح عيسى عليه
السلام، فطائفة تعتقد أنه يوافق الخامس والعشرون من شهر ديسمبر، وأخرى ترى أنه
يوافق الثلاثون منه، وهكذا فالنصارى بينهم خلاف عميق حول هذه المسألة، ولا يوجد رابط يجمع بينهم في مسألة دينية من المفروض أن
يجمعوا رأيهم عليها.
والسؤال الذي لم يستطيعوا الإجابة عنه هو متى
وُلِد المسيح عيسى عليه السلام؟؟؟
لا أحد من النصارى يختلف حول مكان ولادة
المسيح عيسى عليه السلام الذي هو بيت لحم بأرض فلسطين، لكن لا أحد منهم يستطيع
تقديم إجابة شافية بخصوص التاريخ الصحيح لولادته
عليه السلام، لا لشيء سوى لأن النصارى تأثروا في عقائدهم بالوثنيين القدماء، ولأن
هذه مجرد تخمينات وتقديرات ولا تستند إلى مصادر تاريخية صحيحة، فتقدير النصارى
لهذا التاريخ نابع من ثقافات أخرى وفدت عليهم وتلقفوها كما تلقفوا كل العقائد
الدخيلة على العقيدة النصرانية الأصلية، وذلك لأن فلسطين كانت آنذاك خاضعة لحكم الإمبراطورية
الرومانية، ومعلوم أن الرومان كانوا وثنيين قبل اعتناق الإمبراطور قسطنطين الأول للديانة
النصرانية، وكانت لهم آلهة يقدسونها، ويخصصون لها أوقاتا معينة من السنة للاحتفال
بها، ومن بين الآلهة المقدسة عندهم "إله الشمس"، وكانت ولادة هذا الإله
توافق الخامس والعشرون من ديسمبر، وقد دأب الرومان على الاحتفال بميلاده في هذا
اليوم من كل سنة، وبعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين الأول للديانة النصرانية،
واعتبارها ديانة رسمية للدولة الرومانية، وبسبب الاحتكاك النصراني بالوثنية لفترة
طويلة، انتقلت هذه الطقوس إلى النصارى، فكانوا يعتقدون أن ميلاد السيد المسيح عليه
السلام يوافق هذا التاريخ، فترسخت لديهم
هذه الفكرة جيلا بعد جيل، واستمرت الأجيال في الاحتفال به دون تمحيص أو بحث.
فما هي
أسباب احتفال نصارى اليوم بميلاد المسيح في الخامس والعشرون من ديسمبر؟؟؟
وكما يقول الشيخ الداعية أحمد ديدات رحمه
الله في إحدى محاضراته (1) : "فالخامس والعشرون من ديسمبر يوافق ميلاد إله
الشمس عند الوثنيين، لأن الإنسان البدائي قديما كان يشعر بتغير في المناخ في فترة
الشتاء، وبالضبط في شهر ديسمبر حين تزداد درجة البرودة شيئا فشيئا، وتصل إلى درجة
قصوى في منتصف ديسمبر، وكان البدائيون يرون
الشمس في الأفق تتحرك من الشرق إلى الغرب
وتبتعد أكثر فأكثر، فكانوا يفسرون هذا الأمر على أن الشيطان يأكل الشمس، ويقومون
وقتها بقرع الطبول وتلاوة الصلوات، لعل الشمس لا تُحجب، لأنها لو حُجبت لكانت
نهاية الخير، ثم يمر الرابع والعشرون من شهر ديسمبر، وكان هؤلاء البدائيون في
النصف الآخر من الكرة الأرضية باستطاعتهم
الإحساس بتغير درجة الحرارة يوما تلو الآخر، وفي اليوم الخامس والعشرين كانوا يرون
أن الشمس قد عادت إليهم، بمعنى آخر أن الشمس انتصرت، والشر لم يحجبها، لذا فهذا هو
يوم ميلاد إله الشمس، لأن الشمس قد عادت
إليهم، وكانوا يحتفلون ب"الكريسماس" ليس ميلاد المسيح بل ميلاد إله
الشمس مثل "بعل" و"حورس" و"أبولو"
و"ميترا" وغيرهم، لأن كل هؤلاء كانوا يُعبدون
على أنهم آلهة الشمس في منطقة
البحر المتوسط، وكان الخامس والعشرين هو يوم ميلادهم، وعندما بدأ الناس يتحولون
للنصرانية في عهد قسطنطين، فقد أقروا أن
يوم ميلاد الشمس هو يوم ميلاد "ابن
الله" كما يزعم النصارى، لذا فهو ليس
يوم ميلاد المسيح عيسى عليه السلام."
ويشير
القرآن الكريم بكل وضوح أنه عند ميلاد المسيح عيسى عليه السلام، أخبر الله تعالى
والدته مريم بأن تهز جذع النخلة ليسقط عليها التمر فتأكل منه، قال تعالى:(وهُزِّي
إليكِ بجذع النخلة تَسَّاقط عليك رُطبا جنيا فكلي واشربي وقَرِّي عينا).
(2)
فالقرآن الكريم يصرح أن ميلاد المسيح عيسى عليه السلام كان في فترة
نضج التمور، أي في منتصف الصيف وليس في منتصف الشتاء، وفلسطين تقع في نصف الكرة
الأرضية الآخر، ومناخها شتاء يكون باردا جدا، ويخبرنا الكتاب المقدس Bible عن قصة ميلاد المسيح عيسى عليه السلام في بيت
لحم بفلسطين ويقول إن الرعاة في تلك اللحظة يعني لحظة ولادة المسيح عيسى عليه
السلام كانوا يحرسون مع أغنامهم ليلا في البرية: (وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ
حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ
بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا.
فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ
عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي
مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ
الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». وَظَهَرَ
بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ
اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ
السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».
وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ
الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ
وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ».
فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي
الْمِذْوَدِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ
عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ
لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا
الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ
يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا
قِيلَ لَهُمْ).(3)
ونحن نقرأ هذه النصوص التي يزعم النصارى أنها
مقدسة، نجد أنها تفتقر إلى الأدلة الكافية على تاريخ ولادة المسيح عيسى عليه
السلام، بل إن قصة ولادة المسيح عيسى عليه السلام – حسب رواية الأناجيل الأربعة-
تبرز تناقضا كبيرا، وتؤكد على زيف النصوص التي يستندون إليها في إثبات تاريخ
ولادته عليه السلام.
فالأناجيل تحكي أنه في وقت ولادة المسيح عليه
السلام كان الرعاة يخرجون بالأغنام إلى البرية، لكن لنفرض أن تاريخ ميلاد المسيح
عيسى عليه السلام هو يوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر – حسب قول النصارى- فكيف نتصور رعاة يخرجون مع أغنامهم في فترة منتصف الشتاء (أواخر شهر
ديسمبر)؟
حقا، إنها مخاطرة كبيرة من هؤلاء الرعاة، ولا
يوجد راع عاقل سيرعى غنمه في فترة الشتاء حيث برودة الطقس، لأنه سيموت وغنمه من
شدة البرد.
وبعد هذا البيان حول تاريخ ولادة المسيح عيسى
عليه السلام، وبعد التأكد من زيف الأدلة التي يستند إليها نصارى اليوم في الاحتفال
بميلاده عليه السلام، وأيضا غياب النصوص
الصريحة في كتابهم المقدس حول تحديد تاريخ معين لولادته، يمكن أن نقول إن تاريخ
ولادة المسيح عيسى عليه السلام كانت في منتصف الصيف وليس في منتصف الشتاء.
وبالتالي فإن الاحتفال بأعياد الميلاد بدعة
تسربت إلى ديانة النصارى عن طريق الوثنية الرومانية، وأن ما يفعله نصارى اليوم في
أنحاء العالم من طقوس واحتفالات، لا تمت لتعاليم المسيح عليه السلام بصلة، وليس
هناك دليل واحد من كتبهم على ذلك.
لكن ما يؤسف له هو أن كثيرا ممن يحسبون
أنفسهم في دائرة الإسلام يقلدون النصارى في احتفالهم بأعياد رأس السنة الميلادية،
فتراهم يشاركونهم في احتفالهم المزعوم، بالإقبال على شراء أنواع الحلويات، وتزيين
المحلات بالكلمات المعبرة عن التهاني والتحيات بحلول السنة الميلادية الجديدة، بل
وكثيرا منهم حينما تصادفه في الشارع أو في الحي يبادرك بالتهنئة " سنة سعيدة Bonne année"، وتراهم يُحيون ليلة رأس
السنة مجتمعين على موائد زُيِّنت بما لذ وطاب من الحلويات، ووُضِعت حولها الشموع،
والتف حولها البنين والبنات، فيستمرون في سهرهم إلى وقت متأخر من الليل، مع ما
يصاحب ذلك من موسيقى ورقص وأغاني ماجنة، ومنهم من يُحضر الخمور، وقد تُرتكب المنكرات بشتى ألوانها بما في ذلك إيذاء الجيران بالأصوات
العالية، والصيحات الهستيرية، وكل ذلك عندهم بحجة الاحتفال برأس السنة الميلادية.
دون
أن ننسى دور القنوات الإعلامية في التشجيع على هذا الاحتفال، فما إن يقترب
الموعد حتى تبدأ هيئات الإعلام المرئي في إعداد تقارير عن حركة المجتمع، واستعداده
للاحتفال بهذه المناسبة، فتعرض ما يجري في المحلات التجارية من أنشطة وإقبال،
للعائلات على شراء أطيب المأكولات، علاوة على ما يعرضه التلفاز من احتفالات، وسهرات موسيقية صاخبة.
إن الاحتفال بما يسمى رأس السنة الميلادية هو
مظهر من مظاهر الانسلاخ الديني، والتفكك الحضاري، وهو نوع من التبعية العمياء
للغرب، بل الأشد والأمر هو أن هذا السلوك يتنافى مع العقيدة الإسلامية القائمة على توحيد الله
سبحانه وتنزيهه عن كل نقص وتشبيه، كيف لا
والنصارى الذين يزعمون الاحتفال بميلاد المسيح عيسى عليه السلام، يعتقدون أنه إله من
دون الله تعالى، وأنه ابن لله، وأنه ثالث ثلاثة كما جاء في النص القرآني، مما يعني
أن هذا الاحتفال برمته قائم على الشرك والوثنية التي يحاربها الإسلام، مع ما
يصاحبه من مخالفات شرعية واضحة لا تقرها الأديان السماوية، ولا القوانين البشرية،
فكيف يرضى بها من يعتبر نفسه مسلما موحدا لله تعالى؟ وكيف يفصل المحتفلون بهذه الأيام
بين عقائد النصارى وطقوسهم الاحتفالية؟ مع أنها واحدة ومرتبطة أشد الارتباط، وتسعى
لتحقيق هدف واحد ألا وهو ضرب العقيدة الإسلامية في جوهرها.
وفي الختام، لقد قصدت بهذه الكلمات التنبيه
على مخاطر هذا التقليد الأعمى على العقيدة الإسلامية، وعلى الأخلاق والقيم
التي جاء بها سيد الخلق أجمعين محمد بن
عبد الله نبي الرحمة المهداة للعالمين.
فاعتبروا يا أولي الأبصار.
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
أسعير البشير
طالب باحث
كلية الآداب سايس – فاس (المغرب)
الهوامــــــــش:
(1) محاضرة مرئية على برنامج يوتوب youtube بعنوان:"هل احتفال النصارى
بالكريسماس صحيح؟ " ورابطها: www.youtube.com/watch?v=DN-JXFOPNiY
(2) سورة مريم، الآية:25
(3 إنجيل لوقا (الإصحاح الثاني، الفقرات من 8
إلى 20)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق